28/05/2022 - 21:45

حوار | الشرطة الإسرائيلية من النماذج الفاشلة عالميا في التعامل مع الأقلية القومية

استعرضت طالبة الدكتوراة في جامعة بئر السبع، ميرفت أبو هدوبة - فريح، خلال مداخلة قدمتها في مؤتمر "مدى الكرمل" لطلبة الدكتوراة الذي عقد في مدينة رهط اليوم السبت، العلاقة المركبة بين الشرطة والأقليات القومية والاثنية في العالم

حوار | الشرطة الإسرائيلية من النماذج الفاشلة عالميا في التعامل مع الأقلية القومية

قوات من الشرطة الإسرائيلية تقمع الفلسطينيين خلال جنازة في القدس (Gettyimages)

استعرضت طالبة الدكتوراة في جامعة بئر السبع، ميرفت أبو هدوبة - فريح، خلال مداخلة قدمتها في مؤتمر "مدى الكرمل" لطلبة الدكتوراة الذي عقد في مدينة رهط اليوم السبت، العلاقة المركبة بين الشرطة والأقليات القومية والاثنية في العالم، في محاولة لفهم علاقة الشرطة الإسرائيلية بالأقلية العربية الفلسطينية، مشيرة إلى أن بعض هذه الدول استطاعت أن تجد حلولا منصفه لهذه المعضلة وبعضها رفض هذا النهج واستمر في علاقة التمييز ضد الأقليات.

أستراليا هي إحدى الدول التي واجهت هذه المشكلة منذ عقود مع الأقليات العرقية المتواجدة بها، كما أفادت الدراسة، حيث فضلت تطبيق سياسة متعددة الثقافات التي ارتكزت على ثلاث أساسات لبناء العلاقة مع الأقليات: أولا، إعطاء مجال واسع للتعبير عن الهوية القومية الثقافية لكل مجموعة، ثانيا التمسك بالمساواة بين المواطنين وفتح باب فرص متساو أمامهم. ثالثا الدعم الاقتصادي المتساوي لكل المواطنين.

كذلك اتبعت كندا التي عانت من تلك المشكلة حتى عام 1971 سياسة التعددية الثقافية في نظامها، حيث عملت على دعم المجموعات القومية الثقافية المختلفة في الدولة ومساعدتها على التغلب على مشاكلها المختلفة، السياسية الاجتماعية والاقتصادية ودمجها في المجتمع العام، وقامت كندا بسن قوانين تحافظ وتشجع على هذه القيم داخل المجتمع وبالتالي خلقت مجتمعا مترابطا ومتكاتفا مبني على أسس ديمقراطية.

وأشارت الورقة إلى إطلاق بلغاريا، هنغاريا، إسبانيا وبريطانيا سنة 2007 مشروع تحت اسم "مشروع (STEPSS)" لمراجعة سياسة الشرطة، حيث أظهر المشروع أن الشرطة تتعامل على أساس اثني أثناء توقيف المواطنين وتفتيشهم.

كما توقفت عند الصراع في شمال إيرلندا بين موالي بريطانيا وبين القوميين الإيرلنديين وأوجه الشبه مع الحالة الإسرائيلية الفلسطينية، حيث يرى موالو بريطانيا بالشرطة كحامية للوطن ويعطونها "ثقة مفرطة"، بينما يرى القوميون بالمقابل بالشرطة الإيرلندية رمزا للقمع والظلم.

وتطرقت الدراسة إلى نموذج "الشرطة الجماهرية" كإحدى الطرق التي استخدمت في الكثير من الدول في محاولة لدمج الأقليات وتحسين علاقة الشرطة معها، في الولايات المتحدة مثلا كانت عملية دمج المواطنين من أصول إفريقية في الشرطة إحدى الحلول التي طرحت لتحسين سلوك الشرطة بالذات بعد تأزم العلاقة بدرجة كبيرة وفقدان أي ثقة بالشرطة أو مؤسساتها.

إلا أن هذه السياسة لم تأت أكلها في الحالة الأميركية مقارنة مع دول أخرى، لأن الذين كان يجري قبولهم للشرطة عانوا كثيرا من عنصرية متجذرة في الجهاز الشرطي بالإضافة إلى أن المواطنين من أصول إفريقية لم يتقبلوا هؤلاء وكانوا يعتبرونهم خونا.

هذا النموذج جرى استنساخه في إسرائيل بعد أحداث هبة القدس والأقصى في أكتوبر 2000، حيث أوعزت لجنة "أور" بإقامة محطات شرطة في البلدات العربية وتجنيد شبان عرب للعمل بها كشرطيين، إلا أن أعداد المنتسبين العرب اتي بلغت، كما تورد الدراسة، 2702 عنصرا عام 2012، أي ما يقارب نسبة 10%. ازدادت حتى عام 2020 الى 12% فقط، ما يدل على أن الزيادة هي ضئيلة جدا وبالكاد تذكر، وأن المجتمع يرفض هذا التجنيد ويعارضه بشدة ويعتبر من يتجند للشرطة شريكا في الجرائم والاعتداءات التي ترتكبها الأخيرة ضد المجتمع العربي.

وتشترط الدراسة إحداث تغيير في نظرة ومبنى جهاز الشرطة بعملية تغيير جذري في نظرة المجتمع والدولة ككل اتجاه الأقلية العربية الفلسطينية، لأن الدولة مبنية على أساس عرقي واضح لصالح اليهود وتم تأكيد هذا الأمر في قوانين أساس، بالإضافة إلى الثقافة السياسية السائدة لدى الأغلبية اليهودية في إسرائيل اتجاه الأقلية الفلسطينية والتي ترى أنها تهديدا وجوديا لها ولقيمها.

وبهذا الصدد، أجرى "عرب 48" حوارا مع طالبة الدكتوراة وابنة قرية وادي سمارة مسلوبة الاعتراف في النقب، ميرفت أبو هدوبة - فريح، لإلقاء مزيد من الضوء حول هذا الموضوع.

"عرب 48": انطلقت في بحثك من أن تغيير نظرة الشرطة كجهاز تجاه الأقلية لا يمكن حدوثه بمعزل عن تغيير في مبنى الدولة كمؤسسة وفي ثقافة المجتمع؟

ميرفت أبو هدوبة - فريح

أبو هدوبة- فريح: صحيح وقد استحضرت للتدليل على ذلك الكثير من النماذج العالمية التي نجحت في إحداث مثل هذا التغيير كأستراليا وكندا والنماذج التي تعثرت وحتى فشلت مثل إيرلندا الشمالية والولايات المتحدة.

المؤسف أن إسرائيل عوضا عن الاقتداء بالتجارب الناجحة استنسخت التجربة الأميركية الفاشلة، باستحضارها نموذج "الشرطة الجماهيرية"، وقد جوبه هذا النموذج بالعقبات ذاتها هنا أيضا وعلى رأسها العنصرية الضاربة في جهاز الشرطة ذاته ونظرة عدم الثقة تجاه الشرطة وأفرادها والتي تضع المنتسبين العرب لهذا الجهاز موضع تشكيك.

في أستراليا وكندا اللتين عانتا في سنوات الأربعين من تعامل عنصري تجاه الأقليات من قبل الشرطة، جرى تطبيق سياسة متعددة الثقافات تعتمد التعبير عن الهوية الثقافية للأقليات ومنحها حرية وإمكانية التعبير عن هوياتها القومية، ضمن نظام يعتمد على مساواة تامة بين المواطنين، لا يقتصر على الشعارات بل هو مبني على سياسات وتشريعات تكفل هذه المساواة وتصون حقوق الأقليات وهوياتها القومية والثقافية.

وقد تم التعبير عن ذلك في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، ضمن سياسة نجحت في تحويل الأقليات إلى شركاء فعليين في إتخاذ القرارات وتبوؤ مكانة محترمة في الدولة، وهو ما منع وردع التعامل العنصري للشرطة تجاهها.

"عرب 48": الحديث عن دول استعمار استيطاني وأقليات أصلانية؟

أبو هدوبة- فريح: ليست جميعها، في أستراليا هناك أقلية أصلانية وفي كندا هناك العديد من الأقليات، وفي إيرلندا هناك حالة صراع بين طرفين يشكلان الدولة، وهي حالة متشابهة مع حالتنا في البلاد، في العام 1998 أقيمت اللجنة الشرطية المستقلة في إيرلندا، التي قدمت 175 توصية لتحسين العلاقة بين الشرطة والقوميين والتي أعطت مع الوقت نتائجا إيجابية على هذا الصعيد.

"عرب 48": بالنسبة لنا كفلسطينيين داخل إسرائيل هناك مشكلتين، الأولى تتمثل بتعامل الشرطة العدائي تجاهنا والثانية تتمثل بإهمال الشرطة لقضايانا وهو ما يفاقم حالات العنف والجريمة في مجتمعنا؟

أبو هدوبة- فريح: الأقلية الفلسطينية تعاني من تعامل عنصري من قبل الدولة وهو ما يترجم بتعامل عدائي من قبل الشرطة، وتطبيق انتقائي للقانون تجاه مواطني الدولة، بمعنى التعامل على أساس الانتماء الاثني القومي للشخص والمجموعة.

ونحن نرى ذلك في ممارسة الشرطة مثل طلب الهوية من المواطن العربي وإخضاعه للتفتيش فقط استنادا إلى مظهره الخارجي، مقابل عدم التعرض لليهودي الموجود في نفس الوضعية، هذا إلى جانب استخدام القدرات الشرطية بشكل مكثف دون مراعاة للتسبب بمضايقة المواطنين إذا كانوا عربا.

ومن ناحية ثانية الإهمال في إعطاء الخدمات التي يفترض أن للمواطن العربي والقطاع العربي، أيضا على خلفية قومية وتبرير ذلك باستعمال ادعاءات مثل أن هذه القضايا هي مشكلة هذه الأقلية الخاصة، أو أن العنف هو قضية ثقافية بالنسبة للعرب.

وكما هو معروف فإن استخدام القضية "الثقافية" يأتي في سياق تبرير تقصير الشرطة وإهمالها في معالجة قضايا العرب، والتي تنبع من سياسة الشرطة المرتبطة بسياسة الدولة، وهي سياسة مشحونة بتاريخ علاقة مثقلة بالنكبة وسنوات الحكم العسكري الطويلة.

"عرب 48": تقصدين التعامل مع العرب على أساس أمني؟

أبو هدوبة- فريح: على مدار 74 عاما خلقت سياسة عنصرية تمييزية من قبل الدولة تجاه العرب، ومثلت الشرطة أداة قمع لتنفيذ هذه السياسة وهو ما خلق أزمة ثقة يصعب تجاوزها، وهي تنسحب على القضايا اليومية والمدنية بين المواطن والشرطة وعلى مدى الثقة بالشرطة في حل القضايا الخلافية بين المواطنين أنفسهم، ولذلك يلجأ الكثيرون إلى القضاء العشائري والعائلات لحل هذه القضايا.

"عرب 48": أشرت إلى أن القضية سياسية ترتبط بمبنى الدولة وأن التغيير يجب أن يبدأ من هناك؟

أبو هدوبة- فريح: هذه الدولة حددت بشكل واضح ومباشر في قوانينها وتشريعاتها الدستورية بأنها دولة يهودية وأعطت أفضلية للمجموعة اليهودية، وهذه الفكرة ترسخت في كل مؤسسات الدولة وبضمنها الشرطة.

هذا يعني أن أعطي الخدمات الأفضل لهذه المجموعة وألا أعطي المجموعة الثانية الموجودة بخلاف معها الخدمات نفسها.

"عرب 48": أشرت إلى أوجه شبه مع السود في أميركا رغم أنهم يحظون بالمساوة الدستورية على عكس العرب، وإلى فشل نموذج الشرطة الجماهيرية هنا وهناك؟

أبو هدوبة- فريح: في أميركا كان هناك عدم ثقة كبيرة بالشرطة، ولذلك لم تنجح عملية دمج عناصر منهم في الشرطة لأن النظرة إلى أي شخص أسود ينضم للشرطة هي نظرة شك واتهام بالخيانة.

عملية استنساخ هذا النموذج فشلت في إسرائيل أيضا لنفس الأسباب، لأن المجموع ما زال يعتبر كل من يلتحق بسلك الشرطة خائن ومتعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية ضد شعبه، كما أن الشرطة باستغلالها لهؤلاء ووضعها إياهم في الخندق الأمامي في عمليات أمنية لا تساعد في تغيير هذه النظرة بل تعززها.


مرفت أبو هدوبة - فريح: طالبة دكتوراة في قسم السياسة والحكم بجامعة بئر السبع. أبحث الوعي السياسي لدى الأقليات الاثنية وبالأخص كيفية تشكل هذا الوعي والعوامل التي تحوله لفعل سياسي. رسالة الماجستير تمحورت حول الوعي السياسي لدى الشباب العربي في النقب - أحداث 'برافر' كحالة دراسية. حاصلة على اللقب الأول من الجامعة المفتوحة بامتياز واللقب الثاني من الجامعة العبرية.

انا من قرية غير معترف بها تدعى وادي سمارة، أم لكرمل وأعمل كمدرسة. ناشطة اجتماعية أنادي بالعدل وإحقاق الحق لكل الناس وبالأخص للمواطنين في القرى غير المعترف بها.

التعليقات